الأقمار الصناعية الميتة والحطام المداري يشكلان تهديدًا حقيقيًا لفضاء الأرض
لم يعد الفضاء حول كوكبنا مكانًا خاويًا، فقد باتت المسارات الحيويّة القريبة من سطح الأرض والبعيدة عنه يغلًفها غلاف من الأقمار المحطمة والبائدة. إضافةً إلى الآلاف من الشظايا، وبحسب تقديرات وكالة ناسا، فهناك ما لا يقلّ عن نصف مليون جسم يدور حول الأرض يبلغ عرض الواحد منها ما بين واحد سم إلى 10 سم . وتمثّل تلك الأجسام حتى الضئيل منها خطرًا كبيرًا على الأقمار الصناعية، فعندما يكتسب أي من تلك الجسيمات سرعةً مداريةً، يمكنه أن يشلّ قمرًا صناعيًا. وكلما تزايدت أعداد تلك الجسيمات، كلما زاد الخطر من حدوث اصطدامات أخرى، بل وإنتاج مزيد من الشظايا، ولا تهدّد تلك الدائرة المفرغة صناعة فقط الأقمار الصناعية التي تقدّر بمئات مليارات الدولارات من الدولارات، بل وتهدّد أيضًا سلامة رحلات الإنسان إلى الفضاء، فيقول البروفيسور مارتن بارستو من جامعة ليستر "التكدّس في مدارات الأرض المنخفضة يُعدّ حقًا خطرًا كبيرًا، وسيستمر حجم الحطام في التزايد إن لم نتحكم في وقف تراكمه في الفضاء، وذلك بأن نوفّر حماية أكبر للأقمار الصناعية أو ننظف الفضاء من الركام". وعلى سبيل المثال استمر القمر الصناعي الروسي كوزموس 2251 في الدوران حول الأرض دون هدف لمدة 14 عامًا، وذلك بعدما تمّ تشغيله لمدة عامين فقط منذ إطلاقه في 1993، وبعد نهاية عمره الافتراضي، لم تكن هناك أي خطة لإبعاده كي لا يصطدم بمسارات أخرى.
وتلوح في الأفق الآن إشارات بأن الولايات المتحدة على وجه الخصوص، قد اقتنعت بخطورة أن تستمر الأمور في فضاء الكوكب على ما هي عليه، ويتركز الاهتمام في المنطقة الحيوية في فضاء الكوكب والتي تبعد من 200 إلى 1000 ميل من سطح الكوكب، والمعروف باسم "مدار الأرض المنخفض"، والتي يستخدمها تليسكوب الفضاء هابل، ومحطة الفضاء الدولية ومكوكات الفضاء التابعة لها. والاقتراب من الأرض يجعل مهمة الإصلاح أسهل نسبيًا، ولكن الأجسام في في تلك المدارات تتخذ سرعات عالية جدًا كي تقاوم الجاذبية ( 17.000 ميل في الساعة)، ويؤدّي الاحتكاك الناتج عن احتكاك الأجسام بحافة الغلاف الجوي والتشظيّ الناتج عن الحطام إلى تعطل الأجهزة الفضائية، وبدراسة التليسكوب هابل، يمكننا أن نرى بوضوح الضرّر الشديد الذي سبّبته تلك الجسيمات الدقيقة، حتى جزيئات الغبار التي تسير في سرعات عالية جدًا يمكنها أن تضرب وتصيب القمر الصناعي، إذا اصطدم بأجزاء معينة فيه.
وتظل هناك مشكلتان رئيسيتان تعيق تنظيف الفضاء من ذلك الحطام، الأولى هي أن بُعد تلك الأقمار يجعل من المستحيل إصلاحها، والثانية هي أن الحاجة لتحريك تلك الأقمار بعيدًا بما يكفي، لتجنّب أيّ تداخل ضار بينه وبين الأقمار النشطة، يعني ببساطة تقليل عدد "المنافذ" المتاحة في الفضاء، مع الأخذ في الاعتبار التكدّس الحاصل أصلاً. و يوجد أكثر من 200 قمرًا ميتًا في المسار الثابت حول الأرض، بينما تحذّر الجمعية الدولية للنهوض بسلامة الأرض من أن هذا العدد سيتضاعف خمس مرات في العشر سنوات المقبلة.
واعترافًا بالأهمية المتزايدة لمشكلة الركام الفضائي، قامت الولايات المتحدة في حزيران/يونيو بنشر سياستها الوطنية المتعلّقة بالفضاء، وهو بيان يحدّد النقاط التي تعتزم الولايات المتحدة الالتزام بها والعمل مع دول العالم على تفعيلها للحفاظ على الفضاء آمنًا، وتلتزم الوثيقة بشكل خاص "بمواصلة البحث والتطوير في التقنيات والتكنولوجيا، لتخفيف وإزالة الحطام من المسارات الحيوية، والحدّ من الخاطر، وزيادة الوعي بالبيئة الفضائية حاليًا ومستقبليًا".
ولم يغفل المتابعون للقضية حول العالم العنصر البشري وسلامته، فيأخذ الاهتمام بالعنصر البشري لتجنيبه مخاطر الركام الفضائي، في الوقت الذي تستعد فيه بعض الشركات لإرسال سيّاح إلى الفضاء، وتطوّر حاليًا نحو 26 شركة حول العالم خدمات ومركبات استعدادًا للسياحة الترفيهية في الفضاء، ويضغط الخبراء اليوم لاستحداث معايير أمان جديدة في تصميمات المركبات ومعدات إقلاع ووسائل الاتصال مع المسافرين.
